11 مارس 2011

مقعد الذكريات

خرجت من عملي مختنقة ، جبالا تطبق على صدري ، أمنع دموعي من أن تنهمر .. حيث لم يسبق لي قط أن بكيت أمام أحداً .. يصفوني دائما بـ "القوية" .. من قال إن القوة تكمن في مغالبة البكاء ! إن القوة هي أن تبكي دون خجل من أن يتهموك بالضعف .. أن تسمح لعبراتك أن تغسل شجونك و لا تنتظر من أحد أن يربت على ظهرك ليواسيك .. ماذا اسكتني ؟ ما الذي منعني من ردّ سيل الاهانات الذي اندفع منها بلا رحمة ! شعرت أنها بالتأكيد تتكلم عن شخص آخر ! .. ألمثلي توجّه هذا الكلام ! .. تسمرت في مكاني حتي نفذت ذخيرتها من القسوة فأخذت حقيبتي في هدوء و انصرفت على مرأى من الجميع .. لم يتدخل أحد ليسكتها أو ليمنعني من الانصراف .. كان سكوتهم جميعا أقسى عليّ من اهاناتها .. شعرت و كأنني اتلقي نفس اللطمات من كل واحد منهم .. فتضاعف البركان داخلي .. ركضت سريعا متحاشية النظر في وجه أي شخص .. عندما وصلت للطريق العام لفحتني نسماته الباردة و داعبت عيوني لكي تلقى بأحمالها على وجنتيّ .. ولكنها أبت الهزيمة السريعة ..
شعرت أني أريد الابتعاد عن كل من أعرف في تلك اللحظة .. توجهت إلى الحديقة العامة الخالية في مثل هذا الصقيع .. جلست في مقعدي المفضل القريب من الجسر الممتد عبر البحيرة .. ارتميت على خشباته الندية الباردة .. لتمر لحظة سكون شعرت فيها بأني أتحرر من كل القيود .. شعرت أني وحدي في هذا الكون الفسيح .. نظرت للسماء الغائمة فهمست لي .. أنا أعلم .. لا تحزني .. لا تتوقعي منهم أن يعاملونك كمثل معاملتك لهم .. هذا هو قانون البشر .. إعط و لكن لا تتوقع الأخذ .. بادر و لكن لا تنتظر العطف .. عندما استند بظهري على هذا المقعد تتدافع كل ذكرياتي أمامي كشريط سينمائي .. أتذكر كل حدث بكل تفصيلة مهما هانت .. أتذكر الأصوات .. الروائح .. النظرات .. خفقات قلبي .. كل شئ ... أتذكر أحداثا جساماً مرت بي .. فإذا بأزمتي الحالية تنكمش أمامي .. تتضاءل حتى لأتخيلها ذرات تراب بعدما كانت جبلاً مهولاً .. هنا تنهار مقاومتي لأجهش ببكاء حارق أكاد أشعر معه أن مقلتيّ ستخرجان من محجريهما .. قد تطول نوبة البكاء أو تقصر .. قد تنقسم لعدة موجات من الصعود و الهبوط .. ولكن النهاية واحدة .. راحة شديدة و صفاء ذهنيّ بديع .. و شعور بتقزّم كل شئ حولي .. أن تعود الأمور لنصابها الطبيعي .. أنهض مجففة دموعي .. و أتوجه للمنزل .. لقد تأخر الوقت .. أبدل ملابسي و أشرب بعضاً من اللبن الدافئ و أتدثر بغطائي في انتظار صباح جديد ... من العمل ..

هناك تعليقان (2):

  1. احيان كتير بيكون البكاء متنفس لكل ما يعتمل بداخل الانسان سواء اختلفنا او اتفقنا علي مدي قوة وصلابه من يبكي الا انه لا احد يقدر علي ان ينفي قواه الشافيه .

    عجبني الموضوع وخاصة ف الاول والاخر ف النص حسيت اني بقرا ف حاجة عادية لكن فيه لمحة حلوة .
    :)

    ردحذف
  2. في رأيي الموضوع ده ياخد جايزة "الأسوأ" في المدونة بجدارة !
    أنا كتبته زمااان وساعتها كنت راضية عنه .. بس دلوقتي لأ .. وكتير فكرت أشيله من المدونة بس برجع وأقول كانت مرحلة :)

    وعامةً كل ما بنكبر ونيجي نبص ع اللي كتبناه وإحنا صغيرين بنحس بعدم الرضا !

    ردحذف