28 مايو 2011

اليوم المنتظر



دقت الساعة السادسة ..
استيقظت - بالأحرى لم أنم - من نومي لآخذ لحظات استجمع فيها أفكاري و أتذكر السبب القوي الذي دفعني لضبط منبهي على تلك الساعة المبكرة !
يا ربي كيف نسيت ! إني أنتظر هذا اليوم منذ شهر بفارغ الصبر ، أو لنقل أعيش في تمنيه العام كله ، فاليوم هو ميعاد الرحلة :)
مجرد تذكري للفكرة صباحا جعلني أقفز ملهوفة من سريري ، كنت ألهث في حجرات البيت فرحة ، أجمع حقيبة من هنا ، وأخرى من هناك .. تلك الحقائب التي كنت أعدّها منذ ما يزيد عن أسبوع !
ارتديت ملابسي على عجل وكأنني تأخرت بالرغم من أنه كان لا يزال أمامي ما يقرب من ثلاث ساعات على موعد القطار ، ودّعت أمي وأبي سريعا - فأنا أكره لحظات الوداع قبل السفر - و توجهت إلى المحطة ..
استقبلني زملائي بحرارة عند رصيف القطار ، كنا مجموعة من الشباب و الفتيات بلا هموم أو مشاكل حقيقية ، لا نزال خضر العود ، ملأى بالعفوية و النشاط ..
عندما كنت أصغر ، كنت أفضل المقاعد القريبة من أكثر الناس صخبا في الرحلة ، أصفق و أغني معهم ، ولكني تغيرت بعدها و أصبحت أفضل المقاعد الهادئة لأقتل الوقت فيها بالقراءة أو بالثرثرة مع إحدى صديقاتي ..
يومها تخيرت أبعد المقاعد عن الضجيج ، وجلست أتأمل الطريق البديع ، كانت لا تزال الشمس بكرا و السماء صافية ، والهواء محمل برائحة المزروعات التي ترتبط عندي بالأسفار ..
لا أعلم كم مكثت في هذا الوضع شاردة في أفكاري ، وفي الخلفية أسمع ضجيج زملائي المهرجين الذي التحم مع باقي الأصوات في خلفية المشهد ليكف عن ازعاجي ، ولكن فجأة انتبهت لتوقف الغناء و سمعت شجارا .. التفت لأجد زميل لا أعرفه محتدا على إحدى صديقاتي ، انزعجت بشدة لما يحدث ! لقد أتينا جميعا لنصفي أذهاننا لا لنتعارك ! كنت عندهما في قفزتين ، تدخلت محاولة أن أفهم الموضوع ، وبالطبع ألقى كل طرف باللوم على الآخر ، تظاهرت بالإستماع لكليهما ، هدأت من غضب صديقتي وغمزت لها أن تصمت ، ثم طلبت من زميلنا هذا أن يترك المكان كله و يجلس بالأمام حتى يهدأ ...
لاحظت توتره و ارتعاش يديه و احمرار وجهه ، حاولت أن أفهم الموضوع منه مرة أخرى بهدوء ولكني ذُهلت لتفاهة السبب الذي تعاركا من أجله ! استمعت باهتمام حقيقي دون تعليق ، وانتظرت حتى أفرغ كل ما في جوفه من حنق ، وهدأ نسبيا .. حوّلت وجهة الحديث تماما لأشياء أخرى ولم أتطوع لإبداء رأيي في الموضوع برمته ، بعد فترة كان قد هدأ تماما ، فسألني عن رأيي في الموضوع ، وأنه يشعر أنه بالغ قليلا في ردة فعله ، شعرت أنه بالأصل إنسانا مهذبا ولكن ما جعله ينفجر هكذا هو بالتأكيد شيئا آخر لا أعلمه ، وكان ظني هذا في محله ..
جلسنا نتكلم ما يقرب من ثلاث ساعات بلا انقطاع ! كيف لم أره من قبل فأنا - على الأقل - أعرف كل زملائي شكلا ! اكتشفت تشابهنا في الكثير من الأمور ، بل نكاد نتطابق فيم نحب وما نكره !
لم تتسن لنا الفرصة ثانية طوال الرحلة أن نتحدث ، ولكني قابلته مصادفة بعد العودة ، و كنا نتحاور في شتى الموضوعات لمدد طويلة في كل مرة أراه .. فرحت جدا به ، كان يفهمني جيدا و يشبهني في طريقة تفكيري ، شعرت بحق أن هذا هو "الصديق" بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ نبيلة ..
لم لا نكتفي أحيانا بما يمنحه الله لنا ؟ لماذا نصرّ على طلب المزيد الذي لو كان فيه الخير لما منعه الله عنّا ؟ لماذا نصرّ على افساد كل جميل بطمعنا في المزيد منه ؟ فسحر أي جمال يكمن في ندرته لا وفرته ..
قل لي ماذا كسبنا من مصارحتك لي بحبك ؟ لقد سبب تصريحك هذا شرخ في علاقتي بك لا يمكن مداواته ! إنها كلمة صغيرة حقا و لكنها تشبه الممحاة ، فقد محت كل ما قبلها تاركة الفرصة لكتابة سطورا جديدة .. ولكن ماذا لو لم يكن هناك سطورا لتكتب ؟ هل يمكن للسطور المزالة أن تكتب نفسها ثانية ؟ ..
تسبب تصريحك في فقداني لك كصديق .. لا تحاول أن تقنعني بأن أنسى ما قلت ونرجع أصدقاء فقط ، ما أسهل أن تتحول الصداقة لحب ولكن ما أصعب أن يرجع الحب لمرحلة الصداقة مجددا ..
أتعلم أني أفتقدك ؟ في كل مشكلة تمر بي أتخيل نفسي أرويها لك ، فتستمع لي بإيماءتك المحببة ، وابتسامتك العذبة ، و تفسر لي موقفي ، فقد كنت مولع مثلي بعلم النفس ..
أفتقد هذا الصديق النادر الوجود ، الطيب القلب .. ليتك لم تتسرع .. فقد قلتها دون تفكير، لقد كنت تشبهني حتى في اندفاعي في الكلام ..
أعلم أن تلك الرسالة لن تصلك يوما ، ولكني وددت بشدة أن أعتذر عما سببته لك من ألم وضيق ، قلوبنا ليست بأيدينا ، إنها بيد الله وحده ..
أتمنى لك من صميم قلبي حياة هانئة ، فأنت تستحقها بلا شك ..

20 مايو 2011

هوامش مبعثرة (5)

·   تيقظ للصُدَف .. فما أكثر ما تحمله لك من خبايا ..


·   أجمل الخطابات هي تلك التي لم أرسلها بعد .. وأجمل الكلمات هي تلك التي لم أنطقها بعد .. وأجمل الرجال هو ذلك الذي لم أقابله بعد !


·   غالباً لايعتذر الرجال عما قالوه أو فعلوه بدافع من شعور حقيقي بالندم .. إنهم يلجأون إليه كحلّ أخير بعد أن ينهكهم الجدال .. فقط لإنهاء الموقف الراهن أو عندما يشعرون أن عدم الإعتذار سيكلفهم لاحقاً متاعب أكثر من الإعتذار نفسه !


·   إما أن تكون محبوبا من الجميع أو تكون صاحب رأي واضح .. غالبا لن تقدر على الجمع بينهما !


·   لقد حدثتني و "كأنها" تحترمني ، و تبسمت في وجهي و "كأنها" تلاطفني ، و عاملتني برفق و "كأنها" تحبني ... و الآن خاصمتني بلا سبب .. فلم العجب ؟!


·   لم أشعر بهذا "الحضور الطاغي" لشخص منذ فترة طويلة بحق ! .. الحضور الذي يجبرني على فغر فاهي إعجابا ! زالت كل النبضات المندهشة من إيقاع حياتي الذي بات كرسم القلب لشخص ميت !


·   أتمنى أحيانا من الله أن يجعلني أكثر غباءً ، فما عدت أقوى على تحمل الكذب و النفاق الطافح من أعينهم و شفاههم ، تعبت من فهمهم .. حقًا تعبت !

·  مشكلة الفتاة بشكل عام أنها عندما تحب بصدق تضع كل البيض في سلة واحدة ، فيتحول حبيبها لمحور حياتها ، تجد نفسها تفكر فيه كل لحظة رغمًا عنها ، يتمدد ليأخد الحيز الأكبر من تفكيرها على حساب عملها و دراستها و علاقاتها مع أصدقائها و أقاربها .. وهذا لأنها ببساطة تحب بإخلاص و صدق و ثقة مطلقة ... ولكن يجب عليها أن تحتفظ بسلاح واحد على الأقل من أسلحتها الدفاعية ، فلا أمان في هذا العالم ..

09 مايو 2011

ماذا ينتظرنا تحت الرماد ؟

كان يجلس وحيداً ، شارداً مع أفكاره ، لا يعبأ بضجيج زملائه الناجم عن توترهم وربما استهتارهم .. عجبت لهدوئه الغير معتاد .. شغلني أمره لثوانٍ معدودة ثم انهمكت في شئوني الأخرى .. بعد مرور  عدّة دقائق زاغت نظراته ، واعتراه القلق .. نظر في اتجاهي فجأة فوجدني أنظر إليه .. ارتبك قليلا .. ذهبت إليه ووقفت بجانبه .. سألته إن كان هناك خطب ما فنفى .. قررت أن أراقبه عن كثب فوقفت بجواره .. طالت وقفتي بجانبه أكثر من نصف ساعة ، كان ينظر لى من آن لآخر نظرات فارغة من أي معنى .. لم أهتم ..
بعد مرور بعض الوقت انشغلت عنه بآخر كان يجلس أمامه .. عندما فرغت من الأخير نظرت إليه لأجده محملقا في شيئ ما لا يقع في مجال نظري .. اقتربت منه على غفلة منه لأجده يعبث بملابسه في ارتباك .. انحنيت لأهمس في أذنه قائلة : "أخرج ما معك من أوراق" ..
وسط فيضان من المشاعر المختلطة ما بين توتره و ارتباكه و حرجه .. و ترقب و دهشة زملائه .. و دقات قلبي المتسارعة .. أخرج من بين طيات ملابسه "المانيفستو" ..
تلاقت عينانا للحظة خاطفة فوجدت عينيه تفيضان بالذعر و الرجاء .. حينها جاء رئيس اللجنة لإنهاء الموقف و اتخاذ الإجراءات اللازمة ..
بعد انتهاء الإمتحان جاء لي صديقه معاتباً .. اتهمني بأنني "أضعت مستقبله" .. ردد جُملاً على غرار .. " طب وإيه يعني ما كل الولاد بتغش ! " .. " يعني إنتِ عمرك ما غشيتِ ؟! " .. " يعني إيه المشكلة لمّا يغش أصلا ؟!!! " .. "أخوكي نفسه تلاقيه بيغش" ..............
صدمني صديقه ! حقاً صدمني ! كيف واتته الجرأة أن يأتي مدافعاً عن الخطأ ؟ .. كيف جرأ على قلب الأمر لجعلي أنا المخطئة المتوحشة التي أضاعت مستقبل صديقه ! ... ماذا لو كان ما يقوله صحيح و أن الغش أصبح شيئاً عادياً !! .. يحدث هذا في التوقيت الذي نتحدث فيه جميعا عن الثورة ، وعن صانعيها من الشباب لأجد أمامي شاباً يعتبر الغش عادياً ! بل أنا المدانة المغفلة التي تعيش في غيبوبة و قد فاتها أن الغش أصبح مباحاً !!!
ألتلك الدرجة استشرى الفساد ؟! ماذا ننتظر من شاب في العشرين من عمره يقف مدافعا عن الباطل دون أدنى ذرة من الحياء ! ماذا ننتظر من شخص مثله إذا تقلد أي منصب مهما كان ضئيلاً ؟!!
أهو وحده المخطئ ؟ أم لأنه لم يجد من يقوّمه في صغره ؟ ، أم هو خطأ أساتذته الذين شاهدوه يفعلها من قبل ولم يتخذوا الإجراءات اللازمة لردعه ؟! ..... ربما يكون الموقف في ظاهره بسيطاً .. ولكن الجمرات الأكثر اشتعالا هي تلك التي ترقد تحت الرماد ..