06 أبريل 2012

هل أنت حقًا ليبرالي؟


لكل من يقول بفخر: أنا ليبرالي، ولكل من يستنكر الآخر بزعم أنه ليبرالي ... هل حقًا نعرف معنى الليبرالية؟
يختصر الكثيرون معنى (الليبرالية) في كلمة (الحرية)، وهذا الإختصار ،وإن كان صحيح شكلًا، إلا أنه مقتضب للغاية. قرأت مؤخرًا كتاب (ألف-باء الليبرالية)، وكما ذُكِر على غلافه أنه من موسوعة ويكيبديا، فهذا قد أفاد القراء وأضرهم في ذات الوقت. سأعدد هنا ما خرجت به من الكتاب أو ما بقى في ذهني بعد قراءتي له.

أولا من أين بدأت فكرة الليبرالية أو التحررية؟
بدأت من أوروبا، في القرن السادس عشر (يعني 1500 وإنت طالع) كان الناس مقسمين إلى 3 طوائف: الأباطرة، رجال الكنيسة، وعامة الشعب. الأباطرة هم أصحاب الملك والحراسة والقتال، رجال الكنيسة كانوا ذوي نفوذ هائل، وأخيرًا عامة الناس المكلفون بكل الأعمال الأخرى، ولم يكن من حقهم حرية العبادة أو العمل أو التجارة، حتى إمتلاك الكتاب المقدس كان حكرًا على رجال الكنيسة! في ذلك القرن بدأت شرارة التغيير والتمرد على تلك الأوضاع، وأشعل فتيلها (حلو فتيلها دي) القسّ الألماني (مارتن لوثر) الذي تمرّد على ممارسات الكنيسة وأسس طائفة: البروتستانت. تدريجيًا بدأت حريات الناس في الإتساع لتغطي كافة مناحي الحياة.
كلمة (ليبرالي) في حد ذاتها مُبهمة، لأن فكر الليبرالية مُقسّم إلى إتجاهات مختلفة، فإذا قلت: ’أنا ليبرالي’ فلتحدد هل أنت ليبرالي سياسيا؟ أم ثقافيا؟ أم اقتصاديا؟ أم اشتراكي؟ وهل أنت ليبرالي كلاسيكي؟ أم ليبرالي جديد؟ أم ليبرالي مُحدِث؟ (الموضوع كبير يا جماعة).

الليبرالية السياسية: الأفراد لهم الحق في وضع القوانين، والإلتزام بها، و حق الإقتراع مكفول للنساء والملونين والمعدمين (قديمًا كان هذا الحق لأصحاب الأملاك فقط).

الليبرالية الثقافية: حرية كل شخص في اختيار العقيدة وأسلوب الحياة. يُمنع سنّ قوانين تحد من حرية الأفراد الجنسية، وحرية الآداب والفنون، وحرية الإنجاب (أو حرية الإجهاض بمعنى آخر)، حرية تعاطي المخدرات! (بيقولك هولندا أكثر الدول حاليا تطبيقا لليبرالية الثقافية على مستوى العالم لو حدّ عاوز يروح هناك يعني). لكن هذا الإتجاه يثير خلافًا في الرأي بين الليبرالين أنفسهم (يعني مش كلهم موافقين على الكلام ده).

الليبرالية الإقتصادية: عموما كلمة ليبرالي مجردة تعني ليبرالي اقتصادي، وهي سياسة: (دعه يعمل .. دعه يمرّ) ، ممنوع الإحتكار، ممنوع الدعم(!)، حرية الملكية مكفولة، ممنوع التسعير (السوق هو اللي يحكم).
الليبرالية الإقتصادية تعني أنه لا شأن للحكومة بالإقتصاد، فالأكفأ يفرض نفسه دون تدخل منها، وبالتالي يُؤخذ على هذا الإتجاه أنه يتسبب في عدم تكافؤ الفرص، وخلق تفاوت بين الطبقات. وبالتالي جاءت الليبرالية الإشتراكية ردًا على الليبرالية الإقتصادية.

الليبرالية الإشتراكية (الليبرالية الجديدة): تقول بأن الحكومة يجب أن تضع قدر يسير من القيود على بعض النواحي لضمان حق كل فرد في مستوى معيشة مناسب، حيث تنادي بدعم المدارس، المكتبات، المتاحف، سن قوانين للحد الأدنى للأجور، ضرورة وجود الضرائب.

الليبرالية الحديثة: تسمح ببعض القيود على الإقتصاد الداخلي بينما تستخدم سلطة الحكومة لتفرض فتح أسواق أجنبية (من سياساتها الأولى خصخصة الصناعة!). أهم ليبرالي محدِث في أمريكا هو الرئيس ريجان لدرجة أن سُميّت الليبرالية في أمريكا بالـ (الريجانية)، وسُميّت في بريطانيا بالـ (التاتشرية) نسبةً إلى مارجريت تاتشر.

نقاط متفرقة:
·         من الآراء التي لفتت انتباهي رأي (كانط) في أهمية الفكر الليبرالي في عالم المبادئ الأخلاقية، حيث يرى أن المبادئ الأخلاقية خاضعة للقانون الطبيعي، ومحاولات إعاقة هذا القانون ستلاقي الفشل.

·         من التساؤلات المطروحة في الكتاب: أيكون التغيير لليبرالية من خلال الثورات أم السياسات؟ (سؤال وجيه!)
·         يرفض الليبراليون العقوبات اللاإنسانية وعلى رأسها عقوبة الإعدام.

·         لا تحبذ الأحزاب الليبرالية الأوروبية تحديد حصص للوظائف للنساء أو للأقليات العرقية (الكوتة) (وده رأيي أنا كمان).

·         من القضايا التي لم تُحسم بعد في الليبرالية: (حق الهجرة) .. هل من حق الدول التي معدل الزيادة السكانية فيها ثابت أو متناقص أن تمنع تدفق المواطنين من الدول الآخرى لها أم لا؟

·         مما يؤخذ على الليبرالية في بعض الدول الأوروبية أنها ذات معايير مزدوجة، حيث أنها تُعيق مدّ الحريات لمن يفرضون ارتداء الحجاب أو الزواج المنظم حيث يرون هذا ضد حرية الفكر، وتنسى أن كل هذا ما هو إلا حرية شخصية للأفراد. إذن فالليبرالية الأوروبية تناقض نفسها!

·         من المعلومات المثيرة بالنسبة لي أن الليبرالية في أوروبا تختلف عن تلك في أمريكا! فبينما يفخر الأوروبيون بليبراليتهم في كافة النواحي السياسية والإقتصادية والثقافية، ينظر السياسيون الأمريكيون بازدراء لكلمة (ليبرالي)، وتعني لهم فقط (الليبرالية الإقتصادية) ولا شئ آخر! فيقولون (الليبرالي ذو القلب الذي ينزف) تهكمًا على أن الليبراليين يتظاهرون بحرصهم على المستبعدين والمهمشين، (الليبرالي الرعديد) فيما يخص السياسة الخارجية، (ليبرالي راكب الليموزين) تهكما على كونه مرفّه اعتمادًا على الضرائب.


انتهاءً أرجو ممن يقرأ هذا الموضوع ويوّد أن يصحح شيئا ما ورد به ألا يتردد في ذلك، ولو شاء أن يضيف معلومة أخرى لا يتردد أيضًا :)