16 سبتمبر 2012

شعب متديّن بطبعه.. حوار مع سائق تاكسي

اضطُررت اليوم للأسف أن أستقل "تاكسي" للعمل، وأتجنب ذلك قدر الإمكان حيث أن المسافة بين منزلي وعملي طويلة نسبيًا وقد يوقعني حظي السيئ في سائق تاكسي يريد أن "يسلّي السكة" فيعكّر مزاجي الصباحي بحديثه ... مثلما حدث اليوم.
ركبت في المقعد الخلفي، وكانت هناك فتاة بجوار السائق. بعد فترة وجيزة من الصمت (ما أحلاها) وصلنا إلى نقطة اختناق مروري أمر بها كل صباح، وسبب الاختناق الدائم فيها هو الميكروباصات التي تقف بشكل مستعرض! علّق السائق في استياء على هذا الوضع المؤسف، فأومأت برأسي موافقةً، وأضفت (أنا اللي جبته لنفسي) أننا للأسف نحتاج أن نخضع للمراقبة كي نلتزم بالفعل الصحيح في الشارع، دون أي وازع ضميري من داخلنا. فوافقني السائق أن هذا من الأساس سببه هو التربية الخاطئة (لحد دلوقتي الراجل عدّاه العيب). لذا توسّمت فيه الخير وقررت أن أضيف جملة أخرى:
أنا: للأسف اللي بيحصل كله مالوش علاقة بالتدين اللي بندّعي إنه موجود فينا عمّال على بطّال!
السائق: لاااااا دي حاجة ودي حاجة! ربنا قال (وإنه لحب الخير لشديد) يعني كلنا بنحب الخير بس بنحبه بدرجات!
أنا طبعا ماسكتش (على غير العادة) وقلت له: لأ تفسير الآية دي إن الإنسان بفطرته خيّر، بس ممكن الظروف الاجتماعية والنشأة تحوّله لشخص غير سوي، ومن أجل هؤلاء خُلِق القانون. بس ده مالوش علاقة برضه بجملة (إحنا متدينين) دي!
السائق: لأ طبعا! إحنا شعب متدين جدا!
أنا: لأ إحنا مانعرفش من الدين غير العبادات، بس الأخلاق ولا لينا دعوة بيها! لو فيه دين ماكنتش تلاقي فوضى المرور دي، ولو فيه دين ما كنتش تلاقي التحرشات الموسمية، ولو فيه دين كنت تلاقي إتقان العمل يعني صنعة نضيفة وأمانة في تقفيل الشغل، ولو فيه دين كان كل واحد ساب التاني في حاله وخلّاه في نفسه وبس! كمثال شوف أي بنت إنت بتثق فيها وإسألها بتتعاكسي كام مرة طول اليوم؟ هتقولك يووووووووه كتير! وبيبقوا بدقون وزبيبة الصلاة قد البتنجانة في وشه!
السائق: لأ معلش فيه بنات مش بتتعاكس (قالها بطريقة الأطفال لما يصروا على حاجة ويدبدبوا في الأرض)!!
أنا: استحالة! أصلا التحرشات معظمها بمنقبات ومختمرات! وده برضه لا يعني إن واحدة عريانة فإنت تعاكسها، أمّال ربنا قالك غضّ بصرك ليييييييه بقى؟؟؟؟؟ ده غير إن الرجال شايفينها بتتعاكس ومش بيدافعوا عنها، وده برضه ضد الدين!
السائق: طب ما ربنا قال (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء)، يعني لو بيصلّي هيبقى كويس!
أنا: (ضحك هستيري) يا أستاذي ده لما يبقوا بيصلّوا بجد، مش مجرد طالعين نازلين وخلاص! أنا لسه ماسكة واحد من كام يوم في الشارع مبهدلاه عشان واقف يعاكس البنات!
السائق: لأ إنتِ تقوليله إتق الله بس! دي كلمة تهدي العاصي!
أنا: مش لما يعرف (الله) الأول عشان يتقّيه!
السائق: بس فينا ناس كويسة برضه، مثلا واحد زي الشيخ وجدي غنيم، راجل علّامة.
أنا: (وجوم مع فتحة بُق 3 سم) بتقول مييييييييييييين؟ :D
السائق: ده رجل فااااااضل، واتق الله وإوعي تغلطي فيه!
(على فكرة أنا مختصرة الحوار جدا وشايلة تفاصيل بالهبل)
أنا: ما علينا منّه، رأيك وإنت حر فيه، بس أنا مش عاوزة حاجة من الناس غير الأخلاق، مايهمنيش بيصلوا ولا لأ، بيصوموا ولا لأ، كل دي حاجات بينك وبين ربك أنا ماليش دخل فيها، تعاملك معايا أنا هو اللي يهمني. يعني إنت مثلا بتقولّي (ليلى علوي) أحسن ولا واحد بيصلي ويصوم؟ أنا بقولك الله أعلم! اللي مش عاجباك دي ممكن تكون عند ربنا أحسن منّي ومنك مليون مرة! وأكم ناس شكلها حلو ومذوقة وبتقول قال الله ونبيه وهم في الخفاء أبعد ما يكونوا عن ده! حسابات ربنا ماحدش له دعوة بيها، ركز في نفسك وبس.
السائق: لأ ليّ دعوة! وذكر الحديث الشريف ده:
"مُرّ بجنازة فأثني عليها خيراً فقال النبي: وجبت وجبت وجبت، ومُرّ بجنازة فأثني عليها شراً فقال النبي: وجبت وجبت وجبت، فقال عمر: فدى لك أبي وأمي، مر بجنازة فأثني عليها خيراً فقلت وجبت وجبت وجبت، ومر بجنازة فأثني عليها شراً فقلت وجبت وجبت وجبت، فقال النبي: من أثنيتم عليه خيراً وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شراً وجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض"
والسائق فسّر الحديث (أو نقل تفسيره بقى) إننا -البشر- شهداء على بعض وربنا بياخد بكلامنا (!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!)
أنا: أصلا الحديث ده له روايات كتير جدا على فكرة وكل واحدة شكل بس ماشي، المقصود من الحديث ده وفقًا لفقهاء أنا أثق فيهم إن وقت مرور الجنازتين ربنا بيُلهم بعض الناس بالثناء ده، والناس اللي شايفة الجنازة لو جرى على لسانها مدح في الشخص فده غالبا دلالة على قبوله عند ربنا (ده معنى شهداء هنا مش معناها مراقبين)، والعكس صحيح. وده برضه لا يمنع إن الناس تُخدع في بعض الشخصيات، والحقيقة عند ربنا.
السائق: طب وسيدنا عليّ ....
أنا (قاطعته): من فضلك طالما بكلمك عن زماننا كلمني عنه، لما أسألك كذا ده مع أخلاقيات الدين ولا لأ جاوبني بشكل مباشر واتكلم في حدود زماننا، مش كل حاجة تقولي أيام الرسول عليه الصلاة والسلام. أيامه على دماغي وبرضه (أنتم أعلم بشؤون دنياكم) ولا إيه؟ بُص دلوقتي على نهش البشر في بعض، على الجري ورا لقمة العيش، على دوران الناس في ساقية طاحناهم طحن!
السائق: ليه يعني هو الناس وقت الرسول كانت مرفهة؟! ما هم كانوا في الصحراء والحرّ!

هنا خرجت الفتاة عن صمتها لأول مرة منذ بداية الحديث، وقالت له:

الفتاة: إحنا دلوقتي بنعاني من حاجة اسمها (ثقب الأوزون)، واحتباس حراري جايب مصايب ع العالم كله، والغرب همّ دلوقتي اللي فاقوا وبدأوا يلملموا في المصيبة دي، وإحنا في الطراوة، مع إنك كمسلم بقى المفروض تحافظ ع الكون مش تخرّبه! ولا إيه؟!
السائق(انفعال شديد بقى وبدأ صوته يعلو): أنا فاهم الكلام ده كله على فكرة! كل ده هجص صدّره لينا الغرب. الكلام ده مالوش أساس!
                              (غطيني وصوّتي يا زينب)
الفتاة: يعني إنت عاوز تشوف السما مخرومة عشان تصدّق (عسل وربنا) ، ده علم! إنت مش مؤمن بالعلم؟ ده ربنا قالك أول آية نزلت (إقرأ) يعني إفهم.. إتنور.. إتعلم مش اتفرج على برنامج ورددّ اللي جه فيه! (وجون وجون وجووووووون) :D :D
السائق: قالها لأ اللي يجي من الغرب الكافر مش عاوزه، أنا كمسلم أحسن من أي حدّ تاني!
                    (الراجل خرّم ع العنصرية... ما هي ظاطت بقى)
أنا: طيب طالما مش عاوز حاجة م الغرب يا ريت ما تسوقش التاكسي ده، ولا تمسك الموبايل ده، ولا تلبس الهدوم اللي مصنوعة في الصين دي، كل دول مش مسلمين! إنت بقى صدّرت إيه للخارج بالصلاة ع النبي؟ :D
كان لسّه هيردّ قلت له على جنب بقى كفاية عليّ كده :D
إنتهى الحوار الحمد لله، البنت يا عيني كانت لسه مكملة معاه، وسلمت عليّ وقلت لها ربنا معاكِ :D
الحوار ده شغلني طول اليوم، أولا لإن الراجل ده بيمثل قطاع لا يستهان بيه من الشعب، القطاع اللي واخد الدين (الأفيونة) بتاعته، إنما لا فاهمه صح ولا عارف حاجة خالص، وكل معلوماته سمعية 100%، لا عمره قرأ كتاب ولا إتعلم يناقش فكرة سمعها. آمين علطول!
ثانيًا لإن الراجل ده اتبع معايا طريقة التصنيف حتى لو مقالش، بس في عقل باله أكيد يا قال دي علمانية (وهو مش فاهم يعني إيه برضه) يا إما (مش محترمة وأهلها مش مربيينها) وفي الحالتين كارثة! القطاع ده برضه مسيطرة عليه فكرة الإقصاء، إنت مش زيي تبقى ضدي، وربنا يهديك واتقّ الله ويسمّعك الشريط كله!
أنا مش عارفة الحل مع الشريحة دي إيه بصراحة، غُلبت واحتار دليلي، فيه أمل في تقويم الفكر ده، ولا خلاص والأمل كله في الجيل الجديد (اللي برضه دول اللي هيربّوه أمّال مين يعني؟)!!



ملحوظة: أي حدّ يقرأ الموضوع ده وعاوز يدخل يناطحني بكلمتين برضه من نوعية اتق الله يا أختي وفكّري كويس، وراجعي نفسك، يا ريت ما يتعبش صوابعه ويكتب التعليق، وسيبوني أمارس مرة بقى الإقصاء الفكري!