19 مارس 2012

عن التدريس وأيامه


أثناء قراءتي لكتاب ماذا علمتني الحياة لد. جلال أمين استوقفني كلامه عن مهنة التدريس الجامعي، حيث حدد -من وجهة نظره- المعايير التي تقول بكفاءة أستاذ جامعي من عدمها، ومنها حضوره وثقته بنفسه وقدرته على إضافة شئ ما لأذهان طلابه. كما قارن بين حال الطلاب في جامعة عين شمس والجامعة الأمريكية.
وبما أنني أعمل بنفس المجال -للأسف- فلدي تجربتي الشخصية فيه، ورغم قصرها (حوالي 4 سنوات) إلا أنها كافية لتكوين رأي حول الموضوع برمته.
أولا .. لا توجد أدنى علاقة بين تفوق الأستاذ العلمي وقدرته على توصيل المعلومات للطلاب؛ فالتدريس أساسا موهبة يمكن صقلها بالتدريب، لكن إن لم توجد تلك "البذرة" فلا أمل. لذا منذ أن كنت طالبة كنت أتساءل لِمَ لا تختار الجامعة من بين الأوائل من يصلح للتدريس عن طريقة مقابلة شخصية -أو أكثر- حتى ترحم الطلاب المساكين من بعض "الدحيحة" الذين لا يفقهون شيئًا عن تقنية توصيل المعلومات؟
ثانيًا .. لا أمل في تعليم في مناخ أخلاقي فاسد، فالعلاقة بين الطالب وأستاذه علاقة من طرفين، ولكي تستقيم يجب أن يتعاون الطرفان معًا. وبالتالي فإن إلقاء كل العبء على المحاضر دون النظر لمستوى الطلاب الأخلاقي هو أمر مجحف في حق المحاضر. بالتأكيد للمحاضر الدور الأقوى والأكثر تأثيرًا في تلك العلاقة ولكنه محدود رغم ذلك. فماذا باستطاعته أن يفعل حيال طالب مجبر على دراسة هذا العلم؟ أو طالب يستريح منه أهله بعض الوقت بإرساله للجامعة لإحضار شهادة ما بعد فترة زمنية معينة؟ أو طالب يشعر بعدم جدوى ما يفعل -وهو محقّ- وبالتالي لا يرى فائدة من الإمتثال لتوجيهات أستاذه؟ ماذا يفعل المحاضر مع شباب مُحبَط متغرّب متنصّل لعربيته ناقم على مجتمعه؟ قد يستجيب "بعض" الطلاب لمحاولات المحاضر أن يُصلح من شأنهم، لكنهم بالأخير قلة لا تكاد تُذكر وسط جحافل من اللامنتمين! إن الأمر أكبر من طاقته.
ثالثًا .. التعليم كله في مصر تمثيلية سخيفة! لا دول دكاترة ولا دول معيدين ولا دي مناهج ولا دي طلبة! بس مش عارفة كلمة "النهاية" هتطلع إمتى !!
رابعًا.. بعد مرور ما يقرب من أربع سنوات على تخرجي أجد أن ما أتذكره فعلا من كلام أساتذتي هو تعليقاتهم على أشياء حياتية. أذكر نصيحة أحدهم ألا أعرّي شخصًا أمام نفسه أبدًا بمكاشفته بعيوبه (مبعملش بالنصيحة بس فاكراها ههههه)، وأذكر وقار إحداهن وهي تقول لنا: لا تزاحم أحدًا في الكلام لإنك ستكون الخاسر الوحيد (مش عارفة لو كانت شافت مجلس الشعب 2012 كانت قالت إيه). أذكر دعابة أحدهم اللطيفة إزاء نظرات زميل لزميلة في المحاضرة وتعليقه وقتها: يابني اتقل شوية متدلقش كده !! ههههههه.
ورغم اقتناعي أن الجانب الإنساني من المحاضر هو ما يعيش في ذهن طلابه بعد تخرجهم، إلا أنني -على المستوى الشخصي- لا أجد الوقت داخل المعمل حتى أتواصل معهم بشكل إنساني، وأكثرهم غير مستعد أساسا لهذا التواصل ولا يريده. أذكر أنني مثلا عندما أثير موضوع يتعلق بقراءة كتاب ما تكون الاستجابة ضعيفة للغاية، وطوال أربع سنوات عرفت عدد قليل جدا من الطلاب لديه الرغبة في التواصل الحقيقي والحديث في أوقات فراغنا المشتركة في أمور حياتية أو قراءة كتب ... وأحيانًا شؤون عاطفية :))
شخصيًا أشعر أن لديّ تلك القدرة على تبسيط معلومة معقدة دون الإخلال بها أو تتفيهها، لكن الصعوبات أكثر بكثير من مجرد مقدرة شخصية. لذلك قررت منذ فترة أنني قريبًا إن لم أجد مكانًا آخر يُتيح لي التدريس لأعداد بسيطة من الطلاب، وأن يكون تعليمًا حقيقيًا (مش تمثيلية) سأترك المجال بأكمله. لقد سئمت أشباه الأشياء، وأشفق على وقتٍ وطاقةٍ تُستنفَذ دون جدوى ملموسة وحقيقية.


هناك تعليقان (2):

  1. وانا كطالب بضم صوتي لصوتك وبطالب بالغاء التعليم :)

    ردحذف
  2. التغيير الراديكالي في التعليم قادم بالفعل, كما يظهر لي.
    السؤال هو: هل سيكون كارثيا أم تغييرا إصلاحيا؟

    ردحذف