12 نوفمبر 2011

عن 678 ...


شاهدت أمس بالصدفة فيلم "678" ومن وقتها لم أنم !
موضوع التحرش الجنسي قُتل بحثا ، وتعددت الآراء فيه والأقاويل ..
ما أكثر المقالات التي ناقشته ، وما أكثر البرامج التي استضافت خبراء علم النفس وعلم الإجتماع والمفكرين في محاولات يائسة لتحديد أسباب تلك الظاهرة ..
دعوني أقول كلاما لن أدعي أنه مختلف ولكنه رأيي الشخصي والذي ربما تجدونه مكررًا ولكن اسمحوا لي أن "أفشّ غلّي" و "أدلو بدلوي" اشمعنى أنا يعني !
من مشاهدتي للبرامج الحوارية وقراءتي للمقالات وجدت أن أغلبها تتفق في السبب الرئيسي وراء ما يحدث .. جملة يتشدقون بها دائما وأبدا وهي الحل الأمثل لإنهاء النقاش في أي موضوع : الظروف الإقتصادية الصعبة !
دائما كنت أعترض على هذا السبب ! ربما تكون الظروف الإقتصادية هي فعلا أحد الأسباب ولكنها ليست السبب الذي يحتل الصدارة .
ما الذي يجعل رجل ناضج تخطى الأربعين مهندم المظهر ودبلة تطوّق خنصره الأيسر ينظر نظرات فاضحة لفتاة تمشي في طريقها باحترام ومحتشمة للغاية في ملابسها (هذا لو افترضنا إدعاءً أن اللبس الغير محتشم ذريعة للتحرش) ؟! ينظر لها بطريقة تُخجلها وتُشعرها بأنها عارية ! ولا مانع من كلمة سمجة أو لفظ فاضح أو جملة "أبيحة" يصبها في أذنها وهي تمر بجانبه .. ولا مانع أيضا من أن يميل باتجاهها قليلا - أو كثيرا - حتى يحتك بها ؟!
ما الذي يجعل طفلا توقف البارحة فقط عن التعلق بجلباب أمه يتنطع على النواصي مع أصدقائه قاذفًا كل الفتيات والسيدات بعبارات السُباب بصوت عال ، ولا يتحرج من أن يلمسهن في غفلة منهن ليضحك هو وشلته ملء أشداقهم ؟!!
ما الذي يجعل رجالا - أو هكذا يُفترض - يشاهدون كل ما سبق ويسكتون ؟ بل ويضحكون أيضا ! هل ما أراه - ونراه جميعا - من سلبية الناس في الشارع ما هو إلا "نزعة سادية" مستترة عندهم ؟ أم تراهم فقط يودون المشاركة بتلك المسرحية الهزلية ولكنهم خائفون فاكتفوا بالضحك ؟ .. فلتضحكون جميعا على رجولتكم الضائعة !
ثم جاء الفيلم البارحة ليؤكد وجهة نظري ، فها هو الزوج الذي طُعن في الأتوبيس جراء تحرشه بفتاة وعاد مصابا لزوجته .. ما الذي جعله يفعل ذلك ؟! انتفت الحجة الجاهزة الآن .. فالرجل متزوج !
كل ما يحدث ما هو إلا مؤشر إلى حالة من الإنهيار الأخلاقي لدى الجميع .. الأطفال والشباب و الرجال .. المتزوج وغير المتزوج .. المتعلم وغير المتعلم .. الميسور الحال والمتعسر ..
استباحة حرمات الفتيات والتلذذ بمضايقتهن هو أيضا مؤشر لأمراض سادية وقهرية عميقة في نفوسهم .. ولا يمكن فصل سلوك التحرش عن السلوكيات الأخرى لنفس الأشخاص ! ستجدهم حتما بنفس الإنهيار في حياتهم وعملهم ومعاملاتهم .. الأمر لا يتجزأ بأي حال .
إن بمصر قانون يجرّم التحرش ، ومع ذلك غير مفعّل نظرًا لقلّة البلاغات ! كثيرا ما تخجل الفتاة من أن تحكي ما حدث لها ، وحتى لو لم تخجل فلن تجد من يمسك بالمتحرش ليقوده معها لقسم الشرطة .. إنها سياسة "وأنا مالي" المعتادة ..
إذن ما الحل ؟
أعتقد أننا نحتاج - كأشياء كثيرة في مجتمعنا - لتصدي جاد لهذا الأمر ... أن يصبح شغلنا الشاغل لمدة شهر على الأقل في جميع المحطات والإذاعات .. أن تتحول الخُطَب أعلى جميع المنابر للحديث عنه .. أن يُعلَن في فواصل البرامج عن متحرشين تم القبض عليهم وعرض صورهم على الملأ .. فجهود بعض المجموعات الفردية تضيع وسط زحام مشاكلنا ، فالأمر أصبح أكبر من إنشاء جمعية لمناهضته أو حملة للتوعية بعقوبات ضده ..
ولكن هل لو حدث كل ذلك ستتوقف تلك الظاهرة أو حتى تقل نسبة تواجدها ؟
لا أعلم .. فجذور الموضوع تغلغلت بشدة في نفوسنا لدرجة يصعب معها اقتلاعها ...

(ملحوظة : سأدرج ها هنا أول تعليق معلب لا شك أنه سيصلني على هذا الموضوع ، وهذا حتى أخفف عن الأخ عبء كتابة التعليق :
غير معرف يقول ..
لما تبقى البنات تلبس لبس محترم الأول ابقوا تعالوا كلمونا !
إلى الأخ غير معرف ..
إن شاء الله تعيش وتشوف اليوم اللي والدتك يتعمل فيها كده قدامك ، وتيجي تنده عليك تلاقيك واقف بتضحك ! )

هناك 7 تعليقات:

  1. حقيقة انا لم اشاهد الفيلم ولكن الموضوع شديد الاهمية لانه اصبح منتشر بكثرة فى الشوارع والميادين العامة عينى عينك كدة!
    المسألة ليس لها علاقة بأسباب اقتصادية وانما اخلاقية كما ذكرتى
    والحل هو تفعيل القانون فى مصر من اجل القضاء عليه ولا يوجد حل آخر ...والله المنتقبات بيتعرضوا لتحرش وليست مسأله ملابس ضيقة او شئ من هذا القبيل .نهى

    ردحذف
  2. بعد إذن كاتبة البوست دة الي الاخ غير معرف لبس البنات اللي مش محترم اللي انت بتتكلم عنة مش مبرر ليك اساسا ان دة يحصل مش علشان البنات لابسين لبس مش محترم ان دة يدي لأي واحد الحق انة يتصرف التصرف اللي لا في دين ولا اخلاق ولا نخوة ولا رجولة انما دة يبين صاحب التصرف دة انة زي الحيوان بالظبط لا اكتر ولا اقل

    ردحذف
  3. @نهى
    ما هي المشكلة كلها في حكاية "عيني عينك" دي ! يا فرعون إيه فرعنك ؟ قال ملقيتش حدّ يلمني :))
    لا الموضوع مبقاش لبس ولا مشية ولا حرمان ولا كل الكلام ده .. الموضوع بقى "طبع" !


    @غير معرف
    لا فض فوكِ :)

    ردحذف
  4. قرأت أن نسبة التحرشات في مصر أصبحت أقل بعد ثورة 25 يناير..هل هذا الكلام صحيح أم لا زالت مثلما عليه؟

    ردحذف
  5. @غير معرف
    معتقدش إنها قلت .. ممكن نقول زي ما هي تقريبا بس زادت عليها حالة من التبجح والجرأة !

    ردحذف
  6. حسنًا، كلام صح 100%، الأخلاق دلوقتي هيا المشكلة الرئيسية، الحلول اللي أنتِ حطتيها سليمة، وهتساهم في حل المشكلة، بس برضه للأسف مش كفاية.. ليه ؟

    جملتك دي هيا الإجابة:
    "لا أعلم .. فجذور الموضوع تغلغلت بشدة في نفوسنا لدرجة يصعب معها اقتلاعها"

    المشكلة الكُبرى إن الناس مبقتش تؤمن بالشعارات دي، ولا بتؤمن باللي بيقوله الخطباء في يوم الجمعة، الكلام اللي بيسمعوه بيتأثروا بيه "لحظيًا"، بيتأثروا في اللحظة دي بالذات، يخرجوا من الصلاة ولا كأنهم سمعوا حاجة!

    يمكن أهم حاجتين لازم يحصلوا دلوقتي (والمفروض، يكونوا حاجات سهلة)، الأولى، الجيل الجديد، يتربى على الإحترام (سهلة دي)، نسيبنا من الجيل القديم، خلاص صعب نعدل فيه..... تاني حاجة إن البنت تتشجع شوية في موضوع (البلاغ عن حادثة تحرش)، لسبب أنا زلت مش عارفه... مش عارف ليه بيتكسفوا من الحكاية دي !! الغلطة مش غلطتهم، على رأي (نهاد السباعي) في الفيلم ليه الناس بتفتكر إن البنت "حرام كمان تقول أيّ" !
    _

    بغض النظر، أنا معرفتش رأيِك الخاص في فيلم 678 ؟
    عن نفسي شايفه فيلم جيد جدًا، ومحمد دياب راجل ذكي، عامل فيلم بيناقش موضوع حساس لكن باحترام.

    ولّا رأيك إيه ؟ :)

    ردحذف
  7. @عبد الرحمن ...

    أنا معاك تماما إن الناس بقت بتتأثر لحظيا في ُخطَب الجمعة لإنهم من الأصل مش سامعين ولا مقتنعين ، ولا حتى متربيين إن ده عيب وميصحش ، وده مجرد ترس صغير في مكنة كبيرة أوي اسمها " التدين الظاهري" .

    وبما إننا اتفقنا إن المشكلة في الأساس أخلاقية يبقى حلها الرئيسي هو التربية .. أنا معاك جدا ولكن دي حاجة مش سهلة زي ما إنت متصور .. ليه ؟ عشان مين اللي هيربي الجيل الجديد ده يا عبد الرحمن ؟ إحنا ! ... إحنا اللي قطاع كبير مننا بيمارسوا الترحش ده يشكل يومي في الشارع ، وبنات مننا هتربيهم برضه .. هتربيهم ع السكات .. لو حد قالك كذا طنشي ، ولو حد مدّ إيده عليكي إجري ومتفضحيش نفسك !

    وده يقودنا للنقطة التانية : البنات للأسف بتتكسف مع إنها مش غلطانة لإنها اتعودت تمشي جنب الحيط ، هما قالولها كده في البيت ، وبتفكر طب لو راحت معاه القسم ما هو الظابط هيسألها عن تفاصيل واقعة التحرش ، وده اللي بيخليها تتراجع ...
    مع إنه زي ما إنت قلت دي مش غلطتها أساسا ! هو اللي لازم يتكسف مش هيّ ..

    لو المتحرش ده عارف إن مفيش بنت هيتعرضلها هتسكتله هيفكّر ألف مرة قبل ما يعمل فيها كده ..

    ---

    رأيي إن الفيلم رائع ، ومخدش حقه م الشهرة .. وناقش المشكلة باحترام زي ما إنت قلت ، بس ماهواش الفيلم اللي تدخل تشوفه في السينما للترفيه ... الفيلم "تقيل" و "مُكئب" بدرجة رهيبة .. بالنسبة للبنات طبعا :) .. لإنه ببساطة واقعي جدا وصادق جدا ..

    ردحذف